عرض المقال
حجرة الجحيم المظلمة محجوزة للمحايدين
2013-07-26 الجمعه
«أظلم وأسوأ حجرات الجحيم محجوزة لهؤلاء الذين يبقون على الحياد فى أوقات المعارك الأخلاقية العظيمة».. عبارة اقتبسها مارتن لوثر كنج من كتاب «الكوميديا الإلهية» لدانتى، واجه بها هؤلاء ممن آثروا السلامة ووقفوا على شاطئ الحياد وهو يحارب عارى الصدر ضد عنصرية الأمريكان البغيضة، أهدى هذه العبارة البليغة لكل عنبر العقلاء فى مورستان الحياد الوهمى، هؤلاء الذين يدعون الحكمة ويتحدثون من أبراجهم العاجية بكل برود عن مصالحة المجرمين الإرهابيين القتلة، يشاهدون السحل والسلخ والبتر والقطع والحرق والجنون وكأنهم يشاهدون مهرجان تنسيق الزهور فى شوارع طوكيو، كم من الجرائم ترتكب باسمك أيها الحياد، كم مجرم ارتدى مسوح الرهبان وتيجان الحكمة وأرواب الأكاديمية تحت لافتة الحياد، كم من المواقف واللحظات الفارقة الفاصلة مرت بلا عقاب أو حسم نتيجة تلك الكلمة المراوغة الهلامية، كم من الحشو واللغو وأفكار الإرهاب السوداء الشيطانية تسللت وسكنت أدمغة البسطاء بدعوى الحياد الإعلامى وبعدها تحولت الفكرة إلى كلاشينكوف وتحريض قنوات الفتنة إلى ديناميت، تعالوا نقرأ ما كتبته الروائية السورية غاده السمان عن الحياد فى سطور حوار رواية «كوابيس بيروت»، تقول غاده:
- لا حياد فى مجتمع بلا عدالة. لا حياد فى مدينة العرى والفيزون، مدينة الجوع والتخمة، المحايدون هم المجرمون الأوائل، الأكثرية الصامتة هى الأكثرية المجرمة، إنها ترى الظلم وتعانيه، لكنها تؤثر السلامة الرخيصة على الكفاح الخطر النبيل.
- بعض الناس غير مؤهلين نفسياً لرؤية الدم.
- حينما يحدقون جيداً فى جرحهم الداخلى ودمهم النازف، لا بد أن يتعلموا رؤية عدوهم ينزف تحت ضرباتهم هم.
- من ضربك على خدك الأيمن أدر له الخد الأيسر.
- بل العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم.
- ولكن، ما ذنب الأكثرية الصامتة الآمنة المسالمة.
- ذنبها الصمت والمسالمة والعيش فى وهم الأمن، كل عملية حياد هى مشاركة فى عملية قتل يقوم بها ظالم ما ضد مظلوم ما، الأكثرية الصامتة هى الأكثرية المجرمة، إنها تشكل إغراء لا يقاوم لممارسة الظلم عليها، إنها هى التى تثير غريزة الشر فى نفوس الذئاب البشرية، المسالمة هى تحريض على القتل، وتلك جريمة، المسالمة هى شروع فى الانتحار، وتلك أيضاً جريمة.
- ولكننى لم أكن على الحياد، إننى منحازة لطرف ضد آخر، إننى منحازة للشمس والعدالة والحرية والفرح والمساواة.
انتهى الحوار الروائى المقتبس من غادة السمان التى يقال إنها تمت بصلة قربى للشاعر نزار قبانى الذى طلب من حبيبته أن لا تقف على الحياد مثل المسمار وأن تنفعل وأن تنفجر فلا توجد منطقة وسطى ما بين الجنة والنار! الحياد كما قلت فى مقال سابق خيانة فى مثل هذه الظروف التى نعيشها، نحن نرسم مستقبل أولادنا وأحفادنا الآن، نحن فى مخاض ميلاد وطن جديد لا بد أن نوفر له كل ظروف الولادة الصحية والحضانة المناسبة حتى يستطيع أن يشب بعافية وحيوية، لا يمكن للأب أن يستقبل طفله وهو يصرخ طالباً أكسجين الحياة بعد خروجه من رحم الأم بحياد سويسرى أو برود إنجليزى، لا بد له من أن ينفعل.. يبكى.. يصرخ.. يحتضن.. يقفز فى الهواء سعيداً أو يتكور فى مقعده خائفاً مرتعداً، أما الحياد الذى يتحدث عنه حكماء الغبرة فهو وهم يسكن تلافيف أمخاخهم فقط، الساكت عن الحق شيطان أخرس ونحن مللنا وزهقنا وهرمنا من الشياطين سارقى الثورات مهدرى الدم مكفرى الأمة قاتلى الوطن معدومى الضمير، من يمسك العصا من المنتصف بطرف سبابته يمارس مهمة صعبة بل تكاد تكون مستحيلة لايتقنها إلا بهلوانات السيرك وسحرة الموالد، يظل البهلوان يبحث عن نقطة ارتكاز مخادعة وهو يظن أنه ينجز فعلاً وهو فى الحقيقة يخدع مشاهديه فاغرى الأفواه!
أطمئنكم أصدقائى الأعزاء.. من يستحق لقب أفضل محايد هو الأخرس الصامت الميت.